سورة المائدة - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


{فَبِمَا نَقْضِهِمْ} أي: فبنقضهم، وما صلة، {مِيثَاقَهُم} قال قتادة: نقضوه من وجوه لأنهم كذّبوا الرسل الذين جاءوا بعد موسى وقتلوا أنبياء الله ونبذوا كتابه وضيّعوا فرائضه {لَعَنَّاهُم} قال عطاء أبعدناهم من رحمتنا، قال الحسن ومقاتل: عذبناهم بالمسخ، {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} قرأ حمزة والكسائي قسية بتشديد الياء من غير ألف، وهما لغتان مثل الذاكية والذكية، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: قاسية أي يابسة، وقيل: غليظة لا تلين، وقيل معناه: إن قلوبهم ليست بخالصة للإيمان بل إيمانهم مشوب بالكفر والنفاق، ومنه الدراهم القاسية وهي الردية المغشوشة.
{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} قيل: هو تبديلهم نعت النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: تحريفهم بسوء التأويل، {وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} أي: وتركوا نصيب أنفسهم مما أُمروا به من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبيان نعته، {وَلا تَزَالُ} يا محمد {تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ} أي: على خيانة، فاعلة بمعنى المصدر كالكاذبة واللاغية، وقيل: هو بمعنى الفاعل والهاء للمبالغة مثل روَّاية ونسابة وعلامة وحسابة، وقيل: على فرقة خائنة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: على خائنة أي: على معصية، وكانت خيانتهم نقضهم العهد ومظاهرتهم المشركين على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهمّهم بقتله وسمّه، ونحوهما من خياناتهم التي ظهرت، {إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ} لم يخونوا ولم ينقضوا العهد وهم الذين أسلموا من أهل الكتاب، {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} أي: أعرض عنهم ولا تتعرض لهم، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} وهذا منسوخ بآية السيف.
قوله عز وجل: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ} قيل: أراد بهم اليهود والنصارى فاكتفى بذكر أحدهما، والصحيح أن الآية في النصارى خاصة لأنه قد تقدم ذكر اليهود، وقال الحسن: فيه دليل على أنهم نصارى بتسميتهم لا بتسمية الله تعالى، أخذنا ميثاقهم في التوحيد والنبوة، {فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} بالأهواء المختلفة والجدال في الدين، قال مجاهد وقتادة: يعني بين اليهود والنصارى، وقال قوم: هم النصارى وحدهم صاروا فرقا منهم اليعقوبية والنسطورية والملكانية، وكل فرقة تكفّر الأخرى، {وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} في الآخرة.


قوله عز وجل: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} يريد: يا أهل الكتابين، {قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ} أي: من التوارة والإنجيل مثل صفة محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم وغير ذلك، {وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} أي: يعرض عن كثير مما أخفيتم فلا يتعرض له ولا يؤاخذكم به، {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ} يعني: محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: الإسلام، {وَكِتَابٌ مُبِينٌ} أي: بيّن، وقيل: مبين وهو القرآن.
{يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ} رضاه، {سُبُلَ السَّلامِ} قيل: السلام هو الله عز وجل، وسبيله دينه الذي شرع لعباده، وبعث به رسله، وقيل: السلام هو السلامة، كاللذاذ واللذاذة بمعنى واحد، والمراد به طرق السلامة، {وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} أي: من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، {بِإِذْنِهِ} بتوفيقه وهدايته، {وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وهو الإسلام.
قوله عز وجل: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} وهم اليعقوبية من النصارى يقولون المسيح هو الله تعالى، {قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} أي: من يقدر أن يدفع من أمر الله شيئا إذا قضاه؟ {إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.


قوله عز وجل: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} قيل: أرادوا أن الله تعالى لنا كالأب في الحنو والعطف، ونحن كالأبناء له في القرب والمنزلة، وقال إبراهيم النخعي: إن اليهود وجدوا في التوراة يا أبناء أحباري، فبدلوا يا أبناء أبكاري، فمن ذلك قالوا: نحن أبناء الله، وقيل: معناه نحن أبناء رسل الله.
قوله تعالى: {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ} يريد إن كان الأمر كما زعمتم أنكم أبناؤه وأحباؤه فإن الأب لا يعذب ولده، والحبيب لا يعذب حبيبه، وأنتم مقرون أنه معذبكم؟ وقيل: فلم يعذبكم أي: لِمَ عذّب من قبلكم بذنوبهم فمسخهم قردة وخنازير؟ {بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} كسائر بني آدم مجزيون بالإساءة والإحسان، {يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} فضلا {وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} عدلا {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8